جلست ذات يوم أنتظر القطار, وكعادتي رحت أراقب الموجودين في المحطة, وكنت أنقل عيناي في صمت من وجه لآخر. نظرت الى ذلك الرجل وهو يغادر القطار بسرعة وفي نفس الوقت يناظر ساعته بين حين وآخر, كأن الثواني سوف تقرر مصيره. نظرت الى تلك المرأة وهي تحاول أن تلحق بالقطار قبل الانطلاق من جديد الى محطة أخرى, وهي ممددة يدها لشاب كي يساعدها للدخول قبل أن يغلق الباب.
جلست أراقب الوافدين والغادرين لتلك المحطة في صمت تام, حين شد انتباهي رجل وسيم في أواخر الثلاثينات من عمر, الذي كان يسرح بنظره بعيدا. فمكثت أراقبه عن بعد وهو غير منتبه لوجودي بتاتا, فقد جلس وحيدا غير مكترث بمن حوله, وكأنه لا يشعر بهم وبحركاتهم, فشعرت بالفضول لمعرفة ماوراءه .
شاءت الصدفة أن نركب نفس القطار , فقد ركب هو في الجزء الأمامي, في حين ركبت أنا في الجزء الخلفي, ولم أعد أراه أمامي. طوال الرحلة انشغلت بكتابي ولم أهتم بالركاب, ولكنني كنت ألتقط حديث هنا وآخر هناك, ولم أجد مايثير فضولي لمتابعة الاصغاء.
حين أعلن عن موعد وصول القطار الى المحطة التي سأنزل فيها, طويت كتابي وارتديت معطفي بسرعة وأنا متجهة الى الباب تعثرت بشخص كان يجلس على طرف الكرسي, فشتمته لقلة ادراكه بمن حوله وقطعه الطريق على غيره من الركاب. لملمت أشياءي وغادرت المكان نحو الباب بسرعة, خوفا أن أتاخر ويمضي بي القطار نحو المحطة القادمة, وأنا أشعر بالغضب من تصرف البعض بغباء.
كنت أفكر وأنا في طريقي في تصرف ذلك الشخص الغريب, الذي جلس في طرف الكرسي وقطع على الناس الطريق, وفي موقفه معي حين شتمته ولعنته لتصرفه, فهو لم يكلف نفسه أي جهد للرد علي.
في ذلك اليوم اتصلت بي صديقتي لتذكرني بموعدنا في المساء, اكتفيت باجابة قصيرة وأقفلت الخط لأدخل بعدها الى المطبخ وأجهز لقمة أسكت بها جوعي .
مرت الساعات بسرعة حين دقت ساعة غرفتي تعلن عن السادسة مساءا, أطلقت نظرة سريعة في المرآة وتوجهت الى الخارج حيث كانت تنتظرني بفارغ الصبر.
نظرت الي في تعجب ملحوظ وهي تصرخ في وجهي, وفي صوتها عتاب حزين.
" كنت آمل أن تتغيري ولو قليلا عزيزتي, أن تشعري بأنوثة أكثر, بأن تشعري بنفسك أنثى ولم تعودي فتاة مراهقة كما كنت "
لم يعجبني حديثها هذه المرة, فقد نفذ صبري ولم أعد أحتمل أكثر, رغم عشرتنا الطويلة وصداقتنا المتينة فهي مازالت تحاول أن تجعلني أتغير. لم أكن مستعدة لمواجهة التغيير في حياتنا, فلم أكن أريد للأنثى أن تطغي على الفتاة بداخلي, فلم أكن مستعدة لأرتدي ملابس تبين جسدي لارضاء غرور الشباب من حولي.
"تكفين لا أريد محاضرة منك ولا من اي كان, يكفي مااسمعه بالبيت فلاداعي لكي أنت أيضا"
انطلقت بنا السيارة وأنا اشعر بداخلي بغضب عارم نحو نفسي ونحو هذا التغير الذي يحدث معي, فكم أتمنى لو أظل تلك الفتاة التي يبتسم لها الجميع, بدلا من نضرات كلها غموض وطمع.
وصلنا الى الجامعة والظلام بدا يخيم على المكان, وكان هناك عدد قليل من الطلاب أمام البناية العالية. مشيت بخطوات بطيئة حتى أعطي صديقتي فرصة للحاق بي بعد أن توقف سيارتها في موقف السيارات, وكي أهدأ من نفسي قليلا حتى لا أغضب لأتفه الأسباب, وحتى أكون مستعدة للمحاضرة بعد قليل.
بعد خروجنا من القاعة عرجنا على المكتبة حتى نلقي التحية على بعض الزملاء, حيث يمكث البعض الى آخر المساء هناك.
في طريقنا للخروج من البناية صدمت برجل كان في طريقه الى المصعد, فبادر بالاعتذار لي, ولكنني تفاجئت به ثانية وأخرصتني المفاجئة.
كان هو من يقف أمامي مرة أخرى, ولكن هذه المرة سمعت صوته, وهو يعتذر ايضا.
"آنستي هل حصل معك شيئ؟"
ويسئلني أيضا, ماأغباني وماأشد وقاحتي, فكيف لي بالاعتذار له الآن؟!
"سيدي..لا عليك...أنا من يجب الاعتذار لك على مابدر مني هذا اليوم."
ابتسم في حزن وهو يحاول أن يلملم أغراضه من على الأرض, فسارعت لمساعدته وأنا أخجل من تصرفي الصبياني ومن وقاحة لساني.
"آنستي...لا عليك...لم تكن تعرفين.. ولكن يبقى الخطأ خطئي لأنني كنت أسد عليك الطريق."
كانت ابتسامته تشعرك بطيبته وتذكرك بابتسامة طفل بريئ, فعدت ألوم نفسي على تسرعها وغضبها.
"أعتذر منك آنستي ... يجب علي الانصراف الآن"
"سيدي..امنحني فرصة لاقدم لك اعتذاري... هل تسمح لنا بايصالك في طريقنا"
"هذا لطف منك آنستي... ولكن سوف أنتظر زوجتي فهي سوف تأتي بعد قليل, ولاداعي للاعتذار, فأنا أعرف أن ماصدر منك لم يكن موجها الي, بل غضبك كان أعمق بكثير من تلك الكلمات"
استغربت مما سمعته, وحين أردت سؤاله عن مايقصده بكلامه هذا, اقبلت علينا صديقتي, فغادرنا المكان وأنا مندهشة لما سمعت.
حين أصبحنا داخل السيارة, سألتني صديقتي عن ذلك الشخص, فقلت أنني لاأعرفه, وأنني فقط تصادمت به وأنا في طريقي للخارج.
عندما مرورنا من أمام باب البناية, رأيته يغادر بصحبة امرأة جميلة جدا, فزاد استغرابي أكثر.
"هل يمكن ان تكون تلك زوجته في رأيك؟!!"
أعادني سؤال صديقتي الى مكاني داخل السيارة, ابتسمت وأنا أتذكر ابتسامته الطفولية وعذوبة كلامه.
"ولماذا لا...رغم أنه أعمى...فقد عوضه الله تعالى بصفات لا تتوفر في الكثير من الرجال."
"ماذا تقصدين؟!"
"لاشيئ"
ابتسمت لصديقتي وأنا أشغل أسطوانة عربية , لتكسر الصمت بيننا, وتنسيها التحقيق معي ككل مرة..<!--
جلست أراقب الوافدين والغادرين لتلك المحطة في صمت تام, حين شد انتباهي رجل وسيم في أواخر الثلاثينات من عمر, الذي كان يسرح بنظره بعيدا. فمكثت أراقبه عن بعد وهو غير منتبه لوجودي بتاتا, فقد جلس وحيدا غير مكترث بمن حوله, وكأنه لا يشعر بهم وبحركاتهم, فشعرت بالفضول لمعرفة ماوراءه .
شاءت الصدفة أن نركب نفس القطار , فقد ركب هو في الجزء الأمامي, في حين ركبت أنا في الجزء الخلفي, ولم أعد أراه أمامي. طوال الرحلة انشغلت بكتابي ولم أهتم بالركاب, ولكنني كنت ألتقط حديث هنا وآخر هناك, ولم أجد مايثير فضولي لمتابعة الاصغاء.
حين أعلن عن موعد وصول القطار الى المحطة التي سأنزل فيها, طويت كتابي وارتديت معطفي بسرعة وأنا متجهة الى الباب تعثرت بشخص كان يجلس على طرف الكرسي, فشتمته لقلة ادراكه بمن حوله وقطعه الطريق على غيره من الركاب. لملمت أشياءي وغادرت المكان نحو الباب بسرعة, خوفا أن أتاخر ويمضي بي القطار نحو المحطة القادمة, وأنا أشعر بالغضب من تصرف البعض بغباء.
كنت أفكر وأنا في طريقي في تصرف ذلك الشخص الغريب, الذي جلس في طرف الكرسي وقطع على الناس الطريق, وفي موقفه معي حين شتمته ولعنته لتصرفه, فهو لم يكلف نفسه أي جهد للرد علي.
في ذلك اليوم اتصلت بي صديقتي لتذكرني بموعدنا في المساء, اكتفيت باجابة قصيرة وأقفلت الخط لأدخل بعدها الى المطبخ وأجهز لقمة أسكت بها جوعي .
مرت الساعات بسرعة حين دقت ساعة غرفتي تعلن عن السادسة مساءا, أطلقت نظرة سريعة في المرآة وتوجهت الى الخارج حيث كانت تنتظرني بفارغ الصبر.
نظرت الي في تعجب ملحوظ وهي تصرخ في وجهي, وفي صوتها عتاب حزين.
" كنت آمل أن تتغيري ولو قليلا عزيزتي, أن تشعري بأنوثة أكثر, بأن تشعري بنفسك أنثى ولم تعودي فتاة مراهقة كما كنت "
لم يعجبني حديثها هذه المرة, فقد نفذ صبري ولم أعد أحتمل أكثر, رغم عشرتنا الطويلة وصداقتنا المتينة فهي مازالت تحاول أن تجعلني أتغير. لم أكن مستعدة لمواجهة التغيير في حياتنا, فلم أكن أريد للأنثى أن تطغي على الفتاة بداخلي, فلم أكن مستعدة لأرتدي ملابس تبين جسدي لارضاء غرور الشباب من حولي.
"تكفين لا أريد محاضرة منك ولا من اي كان, يكفي مااسمعه بالبيت فلاداعي لكي أنت أيضا"
انطلقت بنا السيارة وأنا اشعر بداخلي بغضب عارم نحو نفسي ونحو هذا التغير الذي يحدث معي, فكم أتمنى لو أظل تلك الفتاة التي يبتسم لها الجميع, بدلا من نضرات كلها غموض وطمع.
وصلنا الى الجامعة والظلام بدا يخيم على المكان, وكان هناك عدد قليل من الطلاب أمام البناية العالية. مشيت بخطوات بطيئة حتى أعطي صديقتي فرصة للحاق بي بعد أن توقف سيارتها في موقف السيارات, وكي أهدأ من نفسي قليلا حتى لا أغضب لأتفه الأسباب, وحتى أكون مستعدة للمحاضرة بعد قليل.
بعد خروجنا من القاعة عرجنا على المكتبة حتى نلقي التحية على بعض الزملاء, حيث يمكث البعض الى آخر المساء هناك.
في طريقنا للخروج من البناية صدمت برجل كان في طريقه الى المصعد, فبادر بالاعتذار لي, ولكنني تفاجئت به ثانية وأخرصتني المفاجئة.
كان هو من يقف أمامي مرة أخرى, ولكن هذه المرة سمعت صوته, وهو يعتذر ايضا.
"آنستي هل حصل معك شيئ؟"
ويسئلني أيضا, ماأغباني وماأشد وقاحتي, فكيف لي بالاعتذار له الآن؟!
"سيدي..لا عليك...أنا من يجب الاعتذار لك على مابدر مني هذا اليوم."
ابتسم في حزن وهو يحاول أن يلملم أغراضه من على الأرض, فسارعت لمساعدته وأنا أخجل من تصرفي الصبياني ومن وقاحة لساني.
"آنستي...لا عليك...لم تكن تعرفين.. ولكن يبقى الخطأ خطئي لأنني كنت أسد عليك الطريق."
كانت ابتسامته تشعرك بطيبته وتذكرك بابتسامة طفل بريئ, فعدت ألوم نفسي على تسرعها وغضبها.
"أعتذر منك آنستي ... يجب علي الانصراف الآن"
"سيدي..امنحني فرصة لاقدم لك اعتذاري... هل تسمح لنا بايصالك في طريقنا"
"هذا لطف منك آنستي... ولكن سوف أنتظر زوجتي فهي سوف تأتي بعد قليل, ولاداعي للاعتذار, فأنا أعرف أن ماصدر منك لم يكن موجها الي, بل غضبك كان أعمق بكثير من تلك الكلمات"
استغربت مما سمعته, وحين أردت سؤاله عن مايقصده بكلامه هذا, اقبلت علينا صديقتي, فغادرنا المكان وأنا مندهشة لما سمعت.
حين أصبحنا داخل السيارة, سألتني صديقتي عن ذلك الشخص, فقلت أنني لاأعرفه, وأنني فقط تصادمت به وأنا في طريقي للخارج.
عندما مرورنا من أمام باب البناية, رأيته يغادر بصحبة امرأة جميلة جدا, فزاد استغرابي أكثر.
"هل يمكن ان تكون تلك زوجته في رأيك؟!!"
أعادني سؤال صديقتي الى مكاني داخل السيارة, ابتسمت وأنا أتذكر ابتسامته الطفولية وعذوبة كلامه.
"ولماذا لا...رغم أنه أعمى...فقد عوضه الله تعالى بصفات لا تتوفر في الكثير من الرجال."
"ماذا تقصدين؟!"
"لاشيئ"
ابتسمت لصديقتي وأنا أشغل أسطوانة عربية , لتكسر الصمت بيننا, وتنسيها التحقيق معي ككل مرة..<!--